في بداية عام 2010 تحركت ماكينة الدفع بالحقوق الفلسطينية في لبنان إلى الواجهة، فعُقد ما لا يقلّ عن عشرة مؤتمرات لبنانية وفلسطينية بهذا الشأن، توصلت جميعها إلى ضرورة منح الفلسطينيين حقوقهم المدنية والإنسانية. افتتحت مؤتمرات هذا العام بمؤتمر للحزب التقدمي الاشتراكي، وتبعته عدة حلقات نقاش لمركز عصام فارس، ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية واللبنانية. ولم تتلكأ القوى الفلسطينية قاطبة في زيارة الأقطاب السياسية والكتل النيابية والأحزاب الفاعلة، في سبيل إقرار هذه الحقوق. وأصدر وزير العمل تثبيتاً للمرسوم الوزاري بالسماح للفلسطينيين بالعمل في لبنان، إلا أن هذا المرسوم لا يرقى إلى قانون، ويخضع لمزاج وزير العمل.
لم يكن خافياً على أحد أن النائب جنبلاط سيطرح هذا القانون المعجَّل المكرَّر في أول جلسة تشريعية قادمة (هذا الكلام قبل الجلسة الشهيرة بستة أشهر)، فهذا المشروع وليد المؤتمر المذكور أعلاه للحزب التقدمي. وقد أعلن جنبلاط نيته هذه أكثر من مرة. وجرى خلال الأشهر المنصرمة «تمنيخ» الأجواء وتهيئة الظروف للقبول بالحق الفلسطيني.
طرح جنبلاط القانون المعجل المكرر، على أساس أن الجميع يعلمون به، وأن قراءته تحصيل حاصل.
وفجأة..
انشطر البلد طائفياً، انشطاراً عمودياً، أطاح التحالفات السياسية السابقة. مسيحيو 14 آذار اصطفوا مع مسيحيي 8 آذار، ومسلمو 14 آذار اصطفوا مع مسلمي 8 آذار. بل إن الكتل المختلطة انشطرت، «ولم تنفع غمزات الرئيس سعد الحريري وإشاراته لمسيحيي كتلته بالتراجع عن اعتراضهم» كما علقت إحدى الصحف.
وعاد الخطاب الطائفي وإلقاء اللوم على «الغريب»، فقد «سرق الغريب الجرّة» كما في إحدى المسرحيات اللبنانية الساخرة، واتّهم أهل القرية بعضهم بعضاً بالتواطؤ مع «الغريب»، وانشطرت القرية.
في لبنان 2010، ما زال مخيم نهر البارد محاصراً أمنياً، ويمنع الدخول إليه إلا بتصريح عسكري.
في لبنان 2010، ما زال الفلسطيني محروماً حَقَّ التملك، تملك وحدة سكنية واحدة، بل حتى يمنع الفلسطيني من وراثة عقار عن والده المتوفّى.
في لبنان 2010، ما زال الفلسطيني ممنوعاً من ممارسة 72 مهنة، لكن للأمانة، يسمح له بالعمل سنكرياً وزبالاً وبواب عمارة.
في لبنان 2010، يُمنع الفلسطيني من أن يُدخل حجراً أو كيس إسمنت أو حاسوباً أو حتى شريط كهرباء إلى مخيمات الجنوب الخمسة، عين الحلوة والمية ومية والبص والرشيدية والبرج الشمالي، وقد امتدّ هذا الواقع إلى بعض مخيمات بيروت، فضلاً عن مخيم نهر البارد.
في لبنان 2010، يُحرَم الفلسطيني الطبابة والتعليم الرسمي وتعويض نهاية الخدمة والاحتكام إلى القضاء في قضايا الضمان الاجتماعي. بل أكثر من ذلك، على الفلسطيني أن يدفع مثل اللبناني لمؤسسات الضمان الاجتماعي الحكومية، غير أنه محروم الاستفادة منها.
في لبنان 2010، تنطلق سفينتان لفك الحصار عن غزة: سفينة اسمها «مريم» وسفينة اسمها «ناجي العلي». الأولى تحمل نساءً وأدوات طبية ومساعدات إنسانية، والثانية تحمل صحافيين لبنانيين من تجمع «صحافيون بلا قيود» تحمل مواد بناء وقرطاسية ومواد تعليمية.
يكاد الفلسطيني في لبنان، وهو يردد مقولة المرحوم شفيق الحوت «تحبون فلسطين وتكرهون الفلسطينيين»، يكاد يطلب منهم أن تتوجه إحدى هذه السفن شمالاً لفكّ الحصار عن مخيم نهر البارد الموجود على الشاطئ، وهو يتعرض لحصار بحري أيضاً حيث يُحرم الصيادون فيه وعددهم يفوق 70 صياداً الاستفادة من بحر المخيم والصيد فيه. ويكاد يطلب أن تتوجه الثانية إلى مخيم الرشيدية وهو على الشاطئ أيضاً، ليُدخلوا إليه بعض مواد البناء والأثاث والمواد التعليمية وغيرها.
في لبنان 2010، يحدث كل هذا، فيما إذا رجعنا إلى الدستور الفلسطيني لعام 1922، فسنجد في المادة 59 منه أن اللبناني لا يُعدّ أجنبياً في فلسطين، بل يعامل كالمواطن الفلسطيني.. وهذا الدستور استمر العمل فيه حتى النكبة في عام 1948.
فهل حقاً نحن في عام 2010؟!