رصاصة التي أشعلت الحرب بين الخـبر و الشروق
مروان حرب/ أيمن·س
قبل ثلاث سنوات تقريبا وبالتحديد منذ ديسمبر 2004 بدأت ملامح حرب ضارية بين جريدتي >الخبر< و>الشروق اليومي< تلوح في أفق الساحة الإعلامية الجزائرية· فالخبر من جهة تطمح إلى الحفاظ على موقعها الريادي الذي وصلت إليه، حيث أصبحت الجريدة رقم 1 في الجزائر، وفي الجهة الأخرى تسعى >الشروق< جاهدة إلى تحسين أوضاعها بعد فترة من التراجع· في البداية كانت مظاهر الصراع بين الجريدتين غير معلنة ولا يعلم بها إلا القليلون من العاملين في قطاع الإعلام، لكن حدة هذا الصراع جعلته يطفو على السطح، وكانت البداية بعد أن نشر معهد >عباسة< لسبر الآراء في سنة 2005 دراسة حول جمهور الصحف في الجزائر، حيث قامت جريدة >الخبر< بنشر أجزاء من هذه الدراسة تشير إلى أنها الصحيفة الأوسع انتشارا والأكثر مقروئية، بدون الإشارة إلى الأجزاء التي تبرز موقع جريدة >الشروق< في الساحة الإعلامية، وهو ما اعتبرته هذه الأخيرة تشويها للحقيقة فسارعت إلى نشر النص الكامل للدراسة تحت عنوان >تصحيحا للتشويه<، وكان هذا بمثابة الإعلان عن بداية جولة جديدة من الصراع بين الصحيفتين ·
حيرة القارئ
بين الخبر وتكذيبه
منذ ذلك الوقت أصبحت كل جريدة تسعى للظهور في صورة صاحبة السبق الصحفي، فلم يكن غريبا أن يجد القراء على صفحات إحدى الجريدتين خبرا، ليتفاجأ في اليوم الموالي بخبر آخر ينفيه على صفحات الجريدة الثانية، وأبرز مثال على ذلك أن جريدة >الخبر< نشرت في أحد أعدادها خبرا عن قيام كوندوليزا رايس كاتبة الدولة الأمريكية للشؤون الخارجية بزيارة مرتقبة إلى الجزائر، لتقوم >الشروق< وفي اليوم الموالي بتكذيب هذا الخبر من خلال حوار أجرته مع السفير الأمريكي في الجزائر· والحادثة نفسها تكرّرت قبل أيّام قليلة عندما نشرت >الشروق< خبرا عن زيادة في أجور أعوان الأمن، لتقوم بعد ذلك >الخبر< بنشر تصريح لعلي تونسي المدير العام للأمن الوطني ينفي فيه أي زيادة مقررة في أجور أفراد أسلاك الأمن، وهنا نجد أنفسنا أمام حالة من الإرتباك أصابت القارئ الذي لم يعرف أي الجريدتين يصدّق وأيهما يكذّب ·
بعد ذلك دخل الصراع بين الجريدتين مرحلة جديدة من التصعيد، بعد أن قامت >الخبر< في يوم 8 فيفري الماضي بنشر خبر عن تجدد المشاكل بين مؤسسي جريدة >الشروق< رغم أن القضاء فصل في هذه القضية بتاريخ 20 ديسمبر 2004 بإصدار حكم بسحب العنوان من >دار الإستقلال< التي أنشأته في1 نوفمبر 2000 وبمنحه إلى مؤسسة الشروق للإعلام والنشر، لكن جريدة >الشروق< رأت في نشر مثل هذا الخبر هجوما واضحا عليها وتدخلا في شؤونها الداخلية سيما وأنها نجحت في تحسين أوضاعها بعد أن رفعت سحبها من 10 آلاف نسخة في نهاية ديسمبر 2004 إلى أكثر من 200 ألف نسخة حاليا، وردت >الشروق< على هذا الخبر بنشر عمود في صفحتها الأخيرة بتاريخ 10 فيفري اعتبر فيه كاتبه أن هناك من لم يستسغ التحسن الكبير الذي طرأ على أوضاع الجريدة منذ منح العنوان لمؤسسة الشروق، وأنها ـ أي الشروق ـ تتفهّم القلق الذي انتاب بعض الناشرين بعد النجاح الذي حقّقته، إلا أن ذلك ليس مبررا للخوض في مشاكلها الداخلية، وأكد صاحب المقال على أن >الشروق< مقتنعة تماما أن الساحة الإعلامية ليست حكرا على عنوان واحد وأنها تتسع للجميع، وأضاف إن >الشروق< كانت على علم بالمشاكل الداخلية التي تعاني منها جريدة >الخبر<، إلا أنها فضلت عدم التطرّق إليها إيمانا منها بأن ذلك ليس من أخلاقيات العمل الصحفي ·
كل طرف متمسّك بوجهة نظره
في تعليقه على مقال >الشروق< قال علي جري مدير الخبر: > ليس لدي رد، لأنني أمنع نفسي من الرد على أي زميل مهما كتب، ولم نكتب في حياتنا عن زميل أو زميلة، وأتحدى أيا كان أن يذكر لي اسم شخص تهجمنا عليه رغم أنهم تهجموا علينا ليلا ونهارا، وعدم الرد على مثل هذه الأمور هو الحد الأدنى من الأخلاقيات الصحفية والتربية<، وأضاف جري >إن المعلومة التي نشرتها الخبر جاءت في إطار العمل الصحفي بعد بيان أصدره المؤسسون وتلّقت الجريدة نسخة منه جاء فيه أن الخلاف بين شركاء الشروق عاد مرة أخرى إلى المحاكم، وأنه يفتخر بأن الخبر هي الصحيفة الوحيدة التي لها ميثاق لأخلاقيات المهنة وقّع عليها صحفيوها<، وعلّق جري على ما نشرته الشروق قائلا: >نحن أيضا ليست مهمتنا التجريح ولا توجد لدينا أي نية للإضرار بأي أحد ولا أعتقد أن >الخبر< التي تضع إمكانياتها لتكوين الصحفيين المعرّبين والمفرنسين في الجرائد والسمعي- البصري إيمانا منها بأن ذلك مشاركة في تطوير الصحافة الجزائرية، تعمل على تجريح أحد أو الإضرار بمصالح جريدة أخرى<· أما أنيس رحماني مدير تحرير >الشروق اليومي< فأكد في تعليق مقتضب >إن جريدته كتبت ما توجّب قوله في العمود الذي ردّت فيه على الخبر، وأن المعلومة التي نشرتها هذه الأخيرة تعتبر تعرّضا لأمور الشروق الداخلية، وهو ما لا يمّت بصلة إلى المنافسة الشريفة <·
لم يتوقّف الصراع بين الجريدتين عند هذا الحد، حيث تسعى كل واحدة إلى استقطاب الصحفيين العاملين في الجريدة الأخرى، فبعدما نجحت الشروق في إقناع أنيس رحماني بترك >الخبر< والإشراف على إدارة تحريرها، ردت >الخبر< بالحصول على موافقة سعد بوعقبة لكتابة عموده اليومي >نقطة نظام< على صفحاتها، كما انتقل المصور بلال زواوي من >الخبر< ليصبح رئيسا لقسم التصوير في جريدة >الشروق< قبل أن يعود مجددا للخبر، ونور الدين قلالة الذي كان رئيسا للقسم السياسي في >الخبر< ليتولى منصب نائب رئيس تحرير >الشروق<، إضافة إلى الصحفية سعاد عزوز التي انتقلت من القسم الإقتصادي للخبر وترشحها الأصداء لأن تكون رئيسة للقسم الإقتصادي في جريدة >الشروق< أو حتى رئيسة تحرير نظرا لخبرتها وكفاءتها، وفي الوقت الذي دافع فيه علي جري مدير الخبر عن حرية الصحفي في الإنضمام لأي جريدة يجد راحته فيها، فإن أنيس رحماني مدير تحرير الشروق أكد على أنّ الصحفيين العاملين بالخبر هم الذين يبدون رغبتهم دائما في الإلتحاق بجريدة الشروق ·
المشهد الإعلامي يواجه خطر التشويه
أمام استمرار الصراع بين جريدتي >الخبر< و>الشروق< واتخاذه اتجاها نحو التصعيد، يكون من الضروري التنبيه إلى أنّ المنافسة الشريفة وحدها التي تكفل تطوير مستوى الصحافة المستقلة في الجزائر، وأنّ الإنسياق وراء الصراعات والنزاعات البعيدة عن مبادئ العمل الصحفي ستؤدّي لا محالة إلى فقدان الصحافة الجزائرية للمكاسب التي بدأت تجنيها في السنوات الأخيرة، إضافة إلى تشويه المشهد الإعلامي الذي مازال يبحث عن تكوين صورته، كما أنّ تغليب هذه الصراعات على العمل الإعلامي الجاد سيتسبّب في إبعاد الصحف عن دورها الرئيسي المتمثّل في تكوين الرأي العام الوطني، وسيكون المواطن ضحيّته الأولى لأنّه سيفقد واحدة من أهم مصادر المعلومات .